كما تعلمون إتّسمت مصر هذا العام بمرحلة خاصّة وغير متوقّعة: هي انهيار النظام الدكتاتوري. وبعد عام تقريباً من الرياح الأولى من الأمل والحرّية، نجد أنفسنا في مرحلة حسّاسة حيث يسود عدم الأمان، والإحباط، وأزمة اقتصاديّة كبيرة وخوف كبير من المستقبل. بالرغم من هذا السيناريو، لاحظنا باندهاش كيف أنّ الله
يساعدنا على إنتاج نسيج خفيّ من علاقات حقيقيّة وأخويّة.
في حين تصلكم الأخبار في الصحف والتلفيزيون عن الاعتداءات الدمويّة على كنائس في أماكن مختلفة في البلد أو عن أعمال العنف ضدّ حشود من المتظاهرين المسالمين في ميدان التحرير، عملنا معاً، مسلمون ومسيحيّون، في أحد أكبر أحياء القاهرة – يُحيينا جميعنا مثال الوحدة الذي تركته لنا كيارا- من أجل مشروع ممكن أن يُعتبر صغيراً ولكنّه رمز للوحدة: مشروع “أنتمي”. أمام اللامبالاة وعدم الثقة التي يجد فيها المصريّون أنفسهم، يهدف
المشروع لاستعادة الشعور بالانتماء إلى البلد عن طريق دفع الناس لاكتشاف كنوز ثقافتهم وتجميل زوايا مهمَلة وغير نظيفة لبعض الأحياء. هكذا وُلدت – بترويج من الفنان المصريّ إلهامي نجيب – مبادرة للرسم على الجدران رسومات تُعبّر عن الأخوّة، والسلام، والتناغم لتوعية الناس على مسؤوليّتهم بالالتزام المدنيّ.
إندفعنا لمدة يومين مع 40 شاباً وبالغاً لتلوين جدار مدرسة في حيّ شعبيّ فقير تحت شعار “من حقّنا أن نحلم!“. كان ذلك قبل 8 أشهر من ثورة 25 كانون الأوّل/ يناير. حتّى وإن كان كلّ شيء قانونيّاً، في صباح اليوم التالي وصلنا خبر من رئيس الحيّ بأنّه علينا إزالة الرسمة، من دون أي تفسير. وكأنها شعلة صغيرة تنطفئ.
واليوم، بعد الثورة وفي وسط الاضطرابات الجديدة في ميدان التحرير، إتّصل بنا رئيس حيّ آخر بالضبط لرسم لوحة جداريّة. وبالقناعة الشديدة بأنّ الأخوّة ممكنة بين الجميع، بدأنا العمل بإشراك جميع سكّان الحي تدريجياً: الأطفال، الشباب والمسنّين، العمّال والمحامين، والمسلمين والمسيحيّين.
وهكذا امتدّت اللوحة الجداريّة، التي كان من المتوقّع أن يبلغ طولها 60 متراً فقط، شيئاً فشيئاً مع المارّة الذين كانوا يتوقّفون مندهشين ليرسموا معنا، وهم فرحون بهذه الإمكانيّة لتقديم مساهمتهم كعلامة للمساواة والأخوّة. على الرغم من أهمّيتها، لم تكن اللوحة الجداريّة المحور الأساسيّ، بل الشهادة التي أعطيناها في رسمها معاً.
قال أحدهم: “إن مبادرتكم هي أنجح حملة لإعادة الحياة والجمال إلى مدينتنا”. تحدّانا أحد المرشحين للبرلمان الجديد، العائد من ميدان التحرير، قائلاً: “هل تعتقدون أنّكم بهذه اللوحة الجداريّة الجميلة سوف تغيّرون مصر؟” فأجابه السكّان المحلّيون: “إنّ هذا ما يمكننا القيام به. التغيير في مصر نبدأه من هنا!”.
نّنا نحاول إحداث تغيير في العقليّة، كما يجري مع أحد مشاريعنا الذي يستهدف العمّال القاصرين، لإعادة طفولتهم الضائعة إليهم وكرامتهم كأشخاص. لقد شهِدنا تغييراً حقيقيّاً في سلوكهم: من مشاغبين وعدوانيين إلى فتيان يمكنهم احترام ومحبّة المختلف عنهم أيضاً. وبغض النظر عن اية ديانة ينتمون اليها، جميعهم يعيشون ما يُسمّى القاعدة الذهبية: “إفعل للآخرين ما تريد أن يفعله الآخرون لك” “. (ه. ق – مصر)